أهمية الصورة الصحفية في التكوين الثقافي للإنسان
هل يستطيع أي أحد أن يتخيل أو أن يقبل جريدة تصدر هذه الأيام وهي خالية من الصورة والرسوم وغيرها من المواد المصورة كالخرائط والكاريكاتير والأشكال البيانية والرسوم التوضيحية؟ الصورة هي نصف الخبر وأحياناً تشرح الخبر كاملاً دون نقصان خاصة للذين لهم خيال واسع وأفق متفتحة حول الفهم المتمعن لمحتوياتها الصورة من القراء..
ولغيرهم تضاف عدة أسطر قد تكون مجرد توضيح لبعض الغموض الواضح فيها بعين المصور ومفهومه.
قطعاً لا يتخيل أي أحد ذلك ولكن إن حدث ذلك لبعض الصحف الفرنسية التي تصدر من غير أي صورة على الإطلاق مثل جريدة لوموند مع بعض الاستثناءات في صورة الإعلانات والخرائط والرسوم لكن هناك نوعاً من الإجماع بين القراء والمحررين والناشرين أن أي صحيفة مطبوعة بدون صور تكون غير قادرة على الإقناع وإمتاع الناظر إليها وبذلك تفقد كثيراً من مؤهلاتها وكفاءتها في الاتصال بالقارئ والتأثير فيه.
ذلك لأن العمل الصحفي الحديث أصبح فناً بصرياً يعتمد على الصورة والرسوم ، وأصبحت الصورة الفوتوغرافية تشكل أكبر نسبة في الأهمية بالنسبة للجريدة أو المجلة وهي التي تهمنا في هذا الموضوع ، حيث ساعد على ذلك التقدم التكنولوجي في هذا المجال.
 أولاً: تاريخ الصورة الصحفية:-
كانت الصورة هي أول شئ لجأ إليه الإنسان البدائي للتعبير عن نفسه وعن أفكاره والدليل على ذلك أن أول الحروف الهجائية في اللغة الإنسانية الأولى اتخذت شكل صور الأشياء والطيور والحيوانات المحيطة بالإنسان الأول في لغات الشرق القديم. وهكذا أستمر الإنسان في استخدام الصورة في التعبير حتى ظهر فنانون عمالقة تميزوا بقدرات ومهارات فائقة على التعبير بالصورة رسماً باليد.
وحتى أوائل القرن الثامن عشر كانت الصورة وما تزال ترسم يدوياً بالقلم أو بالفرشاة على الورق وعلى الحوائط وألواح الخشب أو القماش أو غيرها من المسطحات وكانت لها وظائف أساسية تمثلت في :-
1. تسجيل مظاهر الحياة وظواهرها.
2. التعبير عن الأحاسيس والمعتقدات التي لم يختبرها الإنسان في واقعه المادي أو قرأ عنها في كتابات الأولين أو سمع عنها.
3. توضيح معاني الكلمات خاصة تلك الجديدة على السامع أو القارئ.
ومعروف بأن قبل اختراع الصورة الفوتوغرافية كان الفنانون هم الذين يقومون بعمل التصوير اليدوي وذلك بالانتقال إلى مكان الحادث أو الخبر ورسم صور تخطيطية له ، ثم تنقل إلى الخشب الذي يعد للحفر ثم الطبع وعرفت الصحف تلك الطريقة في القرن الماضي حيث كانت الصور على شكل خطوط تحفر في كتل خشبية ثم تغمس في الحبر وتضغط على الصفحات إلى جانب المتن أو النص . وهذا ما كان يحدث في طباعة الكتب منذ اختراع آلة الطباعة في القرن الخامس.
 لكن من الواضح أن هذه الطريقة بطيئة وعقيمة ثم جاءت الثورة الصناعية واخترعت آلة التصوير ثم أتت الصورة الفوتوغرافية فأصبح من السهل على من لا يجيد الرسم أن يسجل الواقع على لوح فوتوغرافي صورة للأشياء تشبه الصورة في وقت قصير وبتكاليف قليلة إذا ما قورن بالأمر بما كان قبل اختراع آلة التصوير ، لذلك كان اكتشاف آلة التصوير حدثاً خطيراً أحدث انقلابا هاماً في تاريخ الصحافة. وتطور فن التصوير الفوتوغرافي وأصبحت له قواعد وأساليب في التعبير واكتشفت إمكانيات آلة في تسجيل أو تكبير المناظر الطبيعية بطريقة قد تعجز حواس الإنسان عن إدراكها ، فأمكن على سبيل المثال تجميد الحوادث السريعة التصوير لحظة تتكسر فيها كاس زجاجي بفعل طلقة نارية أو تصوير خلية نباتية بتركيب آلة تصوير فوق الميكروسكوب ، لذلك احتلت الصورة الفوتوغرافية مكانها بين الفنون وأدوات التعبير وأصبحت تؤدى دوراً في الاتصال لا يقل أهمية عن دور الإعلام ، بل ربما أكثر تعبيراً من الألفاظ أحيانا.
ثانياً: التصوير الصحفي:-
التصوير الصحفي كفن ، شهد تطورات كبيرة نقلته من المرحلة الجمالية كفن جميل لا يهتم فيه الفنان إلا بالشكل والتكوين الفني إلى المرحلة الإعلامية كفن تطبيقي وظيفي يهتم بالقيم الإخبارية والصحفية في الفترة من بين 1925م -1930 وفي عام 1940 ظهر لأول مرة فريق من المصورين الذين وجهوا عنايتهم إلى الموضوعات التسجيلية . أكثر من الموضوعات الجمالية وكانت هذه المدرسة التسجيلية نواة فن التصوير الحقيقي.
وبذلك بدأت مرحلة جديدة تحول فيها الاهتمام من النواحي الجمالية الخالصة إلى النواحي الإعلامية وأصبحت مشكلات التكوين والإضاءة والنسب وغيرها من المعايير الجمالية وأصبحت تأتي في المرتبة الثانية بعد القيمة الإخبارية للصورة . إذاً من هذا المنطلق تظهر أهمية الصورة الصحفية للخبر الصحفي أكثر من أنها صورة جمالية فحسب.
كذلك تطور فن التصوير الصحفي خلال نصف القرن الأخير وتأثر في نواحٍ صحفية عديدة منها:-
 التطور في محتوى الجريدة:- حتى وقت قريب لم تكن تحمل بين 10-15 صورة في بعض صفحاتها الداخلية وكانت الوجوه صوراً جامدة أي من الموضوعات الساكنة أو الأشخاص الذين يقفون أمام الورشة جامدين لتصويرهم بإرادتهم وعملهم .. ولكنه الآن تغير الوضع وشمل التطور عدد الصور وحجمها وطبيعتها فعلى سبيل المثال . لم تعد صورة انتبه من فضلك التي تستخدم للأغراض الشخصية كما هو الشأن في الأستديوهات هي الصورة المطلوبة للجريدة أو المجلة أو للنشر بصورة عامة بل تؤخذ الصورة وصاحبها يتفاعل مع الحدث يتحرك يراقب .. يتعجب .. يتساءل إلى أخر الحركات الحية التي تخلق من الصورة مقالاً قائماً بذاته يتفق مع نوع النبأ أو الخبر بمعنى عام.
زيادة في عدد الصور:- أخذت كثير من الصحف تستخدم استعراضاً لأكثر من صورة بكل صفحة وأحياناً تخصص صفحات بكاملها لاستعراض الصور وهو حال كثير من صحف اليوم وكذلك الصحف التصفية ذلك لاعتمادها أساساً على الصور وقد تكون هذه الصفحة يومية تظهر كل يوم وقد يخصص لها يوماً معيناً كحديث الكاميرا.
 زيادة في حجم الصور:- وهو أتساع الصفحات في مساحتها تنشر فيها الصور خاصة في الصفحات الداخلية حيث تنشر الصور بعرض عمودين أو ثلاثة وحجم الصور يتفاوت بين قسم وأخر وهي تكبر وتصغر وفق مقتضيات الإخراج أو الشكل الفني لصفحة التي تنشر فيها
 تغيير في طبيعة الصور:- ويرتبط مباشرة تطور في التصوير وتقدمه فالذي كان غير ممكناً من قبل أصبح واقعاً بحكم تحسين آلات التصوير ذات السرعة العالية في الالتقاط.
كما أن صور الموضوعات الحية التي تستخدمها الصحف تبدو غير طبيعية ولكن ابتكار حاجب الضوء الأسرع حركة والفيلم الأنعم جزيئات (حبيبات) ونوعية للعدسات الأفضل فقد أدت إلى صور أقرب إلى الطبيعة.
 تيار صحفي جديد:- ظهر واضحاً جداً من هذا العنوان أهمية الصورة الفوتوغرافية في العمل الصحفي حتى أن هناك بعض الصحافة أصبح يطلق عليها الصحافة البصرية (Photo J) أو الصحافة المصورة (Pictorial J) أو الصحافة الفوتوغرافية (photographic Journalism) وتمثل ذلك في مجلات لوك (look) ولايف (life) وباري ماتش (Paris match) كما ظهر في العناية بالصورة كما وكيفاً يومياً وأسبوعياً . بالتأكيد لكل هذا التطور أسبابه وعوامل نجاحه نتيجة التطور كالرغبة في التصوير كهواية وتطور أنواع أحبار الطباعة والورق الذي يطبع فيه من حيث درجة الحساسية وظهور أجهزة أكثر حداثة مما كانت عليه في السابق.
ثالثاً: أنواع ووظائف الصور الفوتوغرافية الصحفية:-
اتفقنا مسبقاً أن الصورة الفوتوغرافية أصبحت مادة أساسية من مواد الجريدة أو المجلة ولم تعد عنصراً جمالياً فقط ، بل عنصر إعلامي وظيفي وهي خير تعبير عن الأخبار والأحداث.
أما الحديث عن وظائف الصورة الصحفية (الفوتوغرافية) فتتمثل في:-
  1. وظيفتها الإخبارية:الصورة الفوتوغرافية هي أنجح وأهم وسيلة إعلامية في الجريدة بأكملها فبإمكانها أن تعطي المضمون أو الهدف بصورة أسرع من حيث الإطلاع وبصورة أفضل من التعبير اللفظي وهي تعطى كذلك لحظات خاصة من لحظات النبأ بشكل بياني ومفصل.
والتصوير الفوتوغرافي الصحفي بدقته المتناهية يمكن أن يعطى تفاصيل أكثر دقة من مشاهدة الحدث الواقع فعلاً والقارئ الحديث لا يستطيع أن يقتنع بمجرد وصف لفظي لحادث أو لاجتماع أو لموقف ما وإنما أن يرى هذه الأشياء أمام عينيه وعيون القراء في هذا العصر تلك العدسات المركبة في آلات التصوير التي يوجهها المصورون الصحفيون كل يوم لالتقاط الأخبار وتسجيل الأنباء وعرضها على القراء في أسرع وقت وكلنا يعلم أن العدسة أدق من العين البشرية لأنها موضوعية ولا تلتقط إلا ما تراه بالدقة والتفصيل ، أما الإنسان فتتأثر رؤيته للأشياء بعوامل ذاتية كثيرة متداخلة.
2. وظيفتها السيكولوجية: ترتبط الصورة ارتباطاً وثيقاً بسيكولوجية الإنسان وتحل له بعض المتطلبات النفسية والعقلية . ويمكن شحن ذاكرة القراء الذين ينتمون إلى النوع البصري وتقويتها بإضافة صورة إلى النص الإعلاني أو الإعلامي ... وهنا تسيطر عليه أن لم تكن تمتلكه العقلية المصورة.
 وبالحديث المستمع يرى .. وعندما نستمع لشكل الأفكار التي وصلتنا ونحولها إلى صورة ذهنية سائقة لدينا . وعندما نقرأ نحاول بشكل لا شعوري تصوير الكلمات والعبارات بشكل مقبول عبر شاشات عقولنا.
وأهمية الصورة في الصحافة كبير جداً حيث يقول الكاتب الروائي (إيفان تور جينيف) في رواياته (آباء وأبناء) أن الصورة الواحدة قد تعرض ما استطاع كتاب أن يقوله في مائة صفحة حيث أن حاسة البصر ذات أهمية كبرى بالنسبة لشعور الإنسان ودرجة فهمه. لذا تنبع أهمية الصورة في العمل الصحفي في أنها تجذب الانتباه وكثير الاهتمام وتقدم وسائل مؤثرة في رواية خبر ما.
وكثير تعجز الكلمات عن إيصال المضمون من المقال القارئ عندما تفتقد لوجود الصورة . ومن أهميتها أنها تشبع حاجة القارئ إلى القراءة والإطلاع وتؤثر فيه باستغلال قوى اللفظ والصورة وكذلك تصبغ بعداً أخر على الشخصية التي تستحق أن ينشر عنها شيئاً أو تصورها . فالشخص الذي لابد أن يقرأ المرء عنه يومياً يثير لدى القارئ هذا السؤال ما هو شكله وكيف يبدو.
قيمة جمالية: للصورة قيمته الجمالية من حيث كونها عملاً فنياً يستوقف النظر ويبعث الاهتمام في نفس القارئ فهي تستطيع أن تجعل الصفحة ذات مظهر ملئ بالحيوية والنشاط والتنوع ويصبغ عليها جاذبية قد تجعلها قابلة للمطالعة . والصورة بهذه الصفة تفيد المصحف من الناحية التجارية والتسويقية .. لذلك كثير من الصحف الطبية والمثيرة تستخدم أكبر مساحة من صفحاتها لأجمل الصور الملفتة والمثيرة للانتباه والمطالعة خاصة في غلافها الخارجي لجذب القارئ إليها.
 رابعاً: أهمية الصورة على الصحافة:-
تحدثنا كثير خلال ما سبق من حديث عن أهمية الصورة وأثرها على الصحافة ودورها الأساسي في صناعتها إلا أننا نجد أن للصورة الصحفية أهمية قصوى في عمل الصحافة وأن للصورة الفوتوغرافية المعروفة بالصورة الصحفية بعد إلصاقها بمواضيع الصحيفة وتسمى على أثر ذلك بالصحيفة.
وحول هذا الأمر دار جدل طويل وذهب البعض إلى أنها ستحل محل الكلمة في السنوات المقبلة ولكن لا نتفق مع هذا الوصف في الأهمية ولكن نتصور أن عدد الصور بالصفحات يزداد ويحدث هناك زيادة في حجمها ولكنها لا يمكن أن تلغى قيمة وأهمية الكلمة أيضاً .. لأن الكلمات في مواقع معنية تعتبر ذات أهمية لا يمكن أن يكون المضمون بدونها لذا كان هناك ما يعرف بتعريف الصورة أو (الكابشن) الذي يفسر تاريخ التقاطها وزمنها والموقف الذي التقطت فيه ومن هنا تأتى أيضاً أهمية الكلمة . وبمقدور الإنسان أن يستحي عن الصورة بالكلمة ولكن العكس لا يمكن قبوله أيضاً تتمثل أهمية الصورة في أنها تقدم لنا بسرعة خير ما تحمل كما أنها تساعدنا أحياناً على فهم أشياء لا تستطيع الألفاظ أن تعبر عنها سهولة ولأهمية الصور وانتشارها في الصحف والمجلات واحتلال مساحات كبيرة منها دعي ذلك بعض العلماء للتشاؤم ودق الأجراس للإنذار بالخطر من أن الصور سوف تقتل النص ، لأنها توهم بأن النص لا فائدة فيه.
إذ يقول القارئ الحديث ما الفائدة وما الداعي لقراءة كل هذا المقال المكتوب بحروف دقيقة في الحجم وبإمكاني إدراك الموضوع بمجرد نظرة .. فلا زمن للقراءة وهي متعبة خاصة إنسان هذا العصر لازمن له من كثرة العمل والانهماك فيه لأجل حياته التي صارت قاسية ومره . فيصير حاله كالطفل الذي يقُلبَّ الصور واحدة بعد الأخرى دون أن يقف على النص لقراءاته لأنه يجهل القراءة وهكذا الأمي بل ولاحقاً القارئ الحديث الذي تحدثنا عنه سابقاً.
إذاً من وجهة نظر البعض ليس بالقدر الإيجابي لأهمية الصور الفوتوغرافية على عمل الصحافة سوءها وأضرارها وعدم جدواها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
من لم يكن طعامه من فأسه .... لم يكن قراره من رأسه © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top