بين تطوع .. واستغلال،، هذا هو الحال .. نعم إنه من المحال

بقلم/ فداء محمد عبد الجواد
يا للسخرية.. عمر مضيء مليء بالآمال والطاقة يمر مرور الكرام أمام ناظري، بعد تعب مضنِ وجد واجتهاد تتغير فيه الأيام وتختلف العوالم، ولا يبقى الحال على حاله .. يتذبذب باستمرار فيصبح القوي ضعيفاً، والضعيف متسلطاً على رقاب العباد.. فكثير من المعوقات تتعثر فيها أقدام الشباب، ويتعرضون لنفحات من الإذلال والعذاب.. عبر ممارسة الأعمال في غير تخصصاتهم لإثبات الذات والقدرات على الأقل، فيواجهون بقلة الأموال تارة وبقلة الفرص تارة أخرى، ولاسيما الحصار الظالم المفروض على قطاعنا الحبيب.. يزيد الأمر سوءاً ويزيد المُر أمرين، ويبقى الحال على ما هو فتبدأ علامات الشباب تزول، ويخط الهرم خيوطه على وجوه شاحبة لا ينتظر أو ينظر للوراء، فيذهب الأمل ويبقى الألم وتنهار الأنفس من شدة ما لقيت.. هذا هو الحال.. نعم إنه من المحال.. .
سبحان الله "ما بين عناء الدراسة الطويل وآمال وطموحات المستقبل" ها هم خريجو الجامعات يصطفون أمام بوابات المؤسسات الحكومية والأهلية، وكلاً بتخصصه يبحث عن فرصة عمل لإعالة أهله بعد أن أعالوه وحملوه حقبة من الزمن ليست بقصيرة استنزفت طاقات معيله.. .
ومن المثير للجدل أن هؤلاء الخريجين والخريجات يصطفون أمام هذه المؤسسات ليس بطلبات توظيف فحسب بل المثير للألم والسخرية في آن واحد أن العديد من هذه الطلبات تطوع، ومن الجدير ذكره في هذه الحالة ومن الغرابة أنه وبالرغم من قبولهم أو رفضهم ( بمعنى الاختيار حسب المزاج )، نجد بأن الواسطة لها دور كبير في هذا الخصوص (طب على ماذا الطلب إن كان تطوع)، ومن المدهش جداً أن التطوع ليس له أي عائد مادي ( يعني انتحر يا بني في التطوع لغاية ما تموت وبالآخر ولا شيكل )، ومن الغريب والمؤسف جداً هو استغلال الطاقات الشبابية في المؤسسات والحرث عليها وكأنهم بهائم (لست هنا بقصد الشتم وإنما بقصد التشبيه الذي هم يضنونه).. .
أثرتكم وأردتكم أن تصلوا لنقطة معينة في غاية الأهمية .. هي، عن ماذا أتحدث؟؟
التطوع.. التطوع.. التطوع، جميعنا يسمع به، ويقدم له في المؤسسات، وينتظر دوره كي يأخذ الخبرة الكافية في مجاله، لكن أيعقل أن تكون فكرة التطوع تمد لسنوات؟ أو أيعقل أن نستغل قدرات المتطوع لمدة من الزمن ونلقيه خارجاً مأسوفاً عليه؟ أو أيعقل أن يبقي المتطوع دون أن يحصل على مقبلات ليستفيد منها؟ أو أيعقل أن نتركه يتخبط هنا وهناك دون إعطائه حقوقه؟
ماذا نعرف عن فكرة التطوع؟؟ وهل التطوع في فلسطين مثله مثل التطوع في باقي البلدان العربية والأجنبية؟؟ بالطبع ما زلنا نجهل أسرار المهنة وأسرار حقوقنا.. .
يا أختي ويا أخي المتطوع.. فكرة التطوع ليست بجديدة، إنما هي قديمة منذ الأزل في المجتمعات الفلسطينية، وتتمثل أيضاً في عاداتنا وتقاليدنا من حيث المساعدة والتطوع في المساعدة لشخص معين أو لعدد من الأشخاص، واستمرت فكرة التطوع هكذا ضمن العمل الإنساني إلى أن جاء وقتنا هذا الذي لا يحسب له حساب.. .
فالتطوع قديماً كان يتضمن جهوداً إنسانية عظيمة، تبذل من أفراد المجتمع، بصورة فردية أو جماعية ويقوم بصفة أساسية على الرغبة والدافع الذاتي سواء كان هذا الدافع شعورياً أو لا شعورياً.. ولا يهدف المتطوع إلى تحقيق مقابل مادي أو ربح خاص بل اكتساب شعور الانتماء إلى المجتمع، وتحمل بعض المسؤوليات التي تسهم في تلبية احتياجات اجتماعية ملحة أو خدمة قضية من القضايا التي يعاني منها المجتمع.. .
لكن ما ظهر الآن، وفي هذا الوقت أصبحت مع كثرة المؤسسات تذهب لفكرة التطوع استغلالاً لقدرات الخريجين على أساس أنهم بحاجة لخبرة، فبعد الخبرة ينتهي كل شيء، كانتهاء حرق الورق وصولاً للرماد، متناسين المؤسسة فلان أو غيرها أن هذا الشخص قدم طاقاته من أجل أيضاً الحصول على وظيفة محترمة، ويتفاجأ بوجود غيره لوظيفة شاغرة عن طريق ما يسمي بفيتامين واو .. (وسبق أن تحدثنا عنه في مقال خاص).. .
ناهيك عن كل هذا الحديث بنقطة جديدة ألا وهي أن المجتمع الفلسطيني وقانونه لم يقر فكرة التطوع، بخلاف الدول العربية والأجنبية فالتطوع لديهم مثله مثل عقد العمل المؤقت لدينا براتب شهري، وليس هناك قانون يكفله ويحميه من أهوال المؤسسة المتقدم لديها، والمؤسسة تستغل هذا الأمر لصالحها في الكثير من المشاريع الممنوحة للمؤسسة، وتشغل المتطوع لديها دون أن تعطيه أدني حق له.. .
إذن بعد أن تكون المؤسسة في الدرجة هي المستفيد من طاقات متطوعيها لغرض مصلحتها وتبحث عن المتطوعين بحثاً، والشباب لا يدرك ما غايتها ويعتقد أن بعد التطوع كما يقولون احتمالية التثبيت فيعطي ويعطي طاقاته الكامنة، وتمثيلاً على ذلك هناك الكثير من المشاريع التي درت مبالغ مالية ليست بالهينة بسبب جهود المتطوعين وعلى حسابهم، فتقوم المؤسسة (بالحلاقة الناشفة للشباب المتطوعين)، والأدهى من ذلك توظف من تريده من أبناءها ومحسوبيتها والفيتامين يبدأ مفعوله.. .
بصريح العبارة.. المشكلة ليست بالمؤسسة، المشكلة في الشباب، إلى متى سيبقي الشباب غير مدرك للحقيقة الواقعة.. لا حماية قانونية.. ولا حماية من مدير المؤسسة.. ولا حماية ذاتية.. إلى متى ستبقي فاتح ذراعيك لاستغلال المؤسسات طاقاتك؟ وإلى متى ستبقي تترجي بفلان وعلان من أجل توظيفك؟
يا شباب حبذا لو تستغلوا طاقاتكم وقدراتكم وإبداعاتكم لأجلكم أنتم، وليس من أجل من يرفع شأنه بسببكم.. وبرأيي الخاص أتمني من الشباب الجلوس في البيت وألا يكون محط أطماع المؤسسات.. دعوها تتخبط بين جنباتها .. فعند هرم أحدهم ويصبح بلا فائدة هم من سيبحثون عنكم .. أو إما تطوع من أجل الفكرة الإنسانية الأساسية.. تطوع من أجل الخبرة فقط.. ولا تنظر للمؤسسة أنها ستوظفك.. ولا تعطيها طاقاتك الكامنة واستغلها من أجلك.. أنت وحدك من يحتاجها في تقدم الأيام.. (أنا وين وهالورطة وين ما أنا لو كنت ست بيت لارتحت ولا جنيت .. طب والشب حيعمل إيه..!!).. .



فداء عبد الجواد
صُحافية فلسطينية

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
من لم يكن طعامه من فأسه .... لم يكن قراره من رأسه © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top